ايام ذي الحجة العشر المباركة
بسم الله الرحمن الرحيم
ذي الحجة شهر عظيم بركاته وفضائله، وهو من أربعة أشهر حرم في الإسلام، ويحتل مكانة خاصة في قلوب المسلمين لما يحمله من قيم ومناسك عظيمة. يبدأ هذا الشهر بظهور الهلال الجديد، ويشهد أحداثًا عظيمة تبدأ بـ “يوم عرفة” وتنتهي بـ “عيد الأضحى”.
أول أيام ذي الحجة معروفة بأنها أيام خير وبركة، وتعد فرصة للتقرب إلى الله بالطاعات والعبادات المتنوعة كالصيام والصدقات والذكر والدعاء وغيرها. يوم عرفة هو أحد أهم أيام هذا الشهر، حيث يغفر الله فيه للعباد، ويُعتبر من أفضل الأيام عند الله.
من ثم يأتي عيد الأضحى المبارك الذي يوافق اليوم العاشر من ذي الحجة، وهو عيد الذبح الذي يُظهر تواضع المسلمين وتقديرهم لنعم الله عليهم. يقوم المسلمون في هذا اليوم بذبح الأضاحي وتقديم جزء منها للفقراء والمحتاجين، ويُعتبر هذا العمل من أعظم الطاعات التي يقرب بها المسلم إلى الله.
إن أيام ذي الحجة تمتاز بالعبادة والقربات، وتعتبر فرصة للتوبة والاستغفار، وللرجوع إلى الله بقلب نقي ونية صافية. فلنستغل هذه الأيام العظيمة في زيادة الطاعات وتقوية العلاقة بالله، ولنسعى جاهدين لنيل رضاه ومغفرته.
فلنستعد لاستقبال هذا الشهر الفضيل بالقلوب الطاهرة والنفوس المطمئنة، ولنجعل من كل لحظة فيه فرصة للتقرب إلى الله وزيادة الحسنات. ولندعو الله أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، وأن يجعلنا من العتقاء فيه من النيران.
فضل العشر من ذي الحجة:
من مواسم الطّاعة العظيمة العشر الأول من ذي الحجة، التي فضّلها الله تعالى على سائر أيام العام؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ ، قالوا يا رسول الله: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ )
رواه البخاري (969)، وأبو داود (2438) – واللفظ له –، والترمذي (757)، وابن ماجة (1727).
وعنه أيضا، رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما من عمل أزكى عند الله عز وجل، ولا أعظم أجراً من خير يعمله في عشر الأضحى. قيل: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله عز وجل، إلا رجل خرج بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء )
رواه الدارمي 1/357 وإسناده حسن كما في الإرواء 3/398.
تشير هذه النصوص وغيرها إلى أن العشر الأوائل من ذي الحجة هي أفضل من سائر أيام السنة بدون استثناء، حتى العشر الأواخر من شهر رمضان. ومع ذلك، فإن ليالي العشر الأواخر من رمضان هي أفضل من ليالي العشر الأوائل من ذي الحجة، بسبب وجود ليلة القدر فيها، والتي هي خير من ألف شهر.
مايستحب من الاعمال في العشر من ذي الحجة :
فينبغي على المسلم أن يستفتح هذه العشر بتوبة نصوح إلى الله، عز وجل، ثم يستكثر من الأعمال الصالحة، عموما، ثم تتأكد عنايته بالأعمال التالية:
1- الصيام
فيسن للمسلم أن يصوم تسع ذي الحجة. لأن النبي صلى الله عليه وسلم حث على العمل الصالح في أيام العشر، والصيام من أفضل الأعمال. وقد اصطفاه الله تعالى لنفسه كما في الحديث القدسي:
يقول الله تعالى: “كل عمل ابن آدم له إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به”.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة. فعن هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر. أول اثنين من الشهر وخميسين ” أخرجه النسائي
2- الصلاة
ينبغي على المسلم أن يزيد من الصلاة في هذه الأيام، ويحرص على أداء الصلوات الخمس في أوقاتها المحددة. ويمكن أيضا أن يتطوع بصلاة النافلة والتسبيح والاستغفار.
3- الذكر والدعاء
ينبغي على المسلم أن يكثر من ذكر الله والدعاء في هذه الأيام، ويستغل هذه الفرصة للتوبة والاستغفار والتضرع إلى الله بالدعاء.
4- الصدقة
ينبغي على المسلم أن يتصدق في هذه الأيام، سواء بالمال أو بالوقت أو بالجهد. فالصدقة من أعظم الأعمال الصالحة التي تقرب الإنسان إلى الله.
5- زيارة الأقارب والجيران
ينبغي على المسلم أن يزور أقاربه وجيرانه في هذه الأيام، ويحرص على تقوية العلاقات الاجتماعية والأسرية. فالصلة بالرحم من الأعمال المحببة إلى الله.
6– الإكثار من التحميد والتهليل والتكبير
فيسن التكبير والتحميد والتهليل والتسبيح أيام العشر. والجهر بذلك في المساجد والمنازل والطرقات وكل موضع يجوز فيه ذكر الله إظهاراً للعبادة، وإعلاناً بتعظيم الله تعالى.
ويجهر به الرجال وتخفيه المرأة.
قال الله تعالى: ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام الحج/28. والجمهور على أن الأيام المعلومات هي أيام العشر لما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما: (الأيام المعلومات: أيام العشر)
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد أخرجه احمد 7/224 وصحّح إسناده أحمد شاكر.
وصفة التكبير : الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر ولله الحمد، وهناك صفات أخرى.
والتكبير في هذا الزمان صار من السنن المهجورة ولاسيما في أول العشر فلا تكاد تسمعه إلا من القليل، فينبغي الجهر به إحياء للسنة وتذكيراً للغافلين، وقد ثبت أن ابن عمر وأبا هريرة رضي الله عنهما كانا يخرجان إلى السوق أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما.
إن إحياء ما اندثر من السنن أو كاد فيه ثواب عظيم دل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: من أحيا سنة من سنتي قد أميتت بعدي فإن له من الأجر مثل من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً أخرجه الترمذي 7/443 وهو حديث حسن لشواهده.
7- أداء الحج والعمرة
إن من أفضل ما يعمل في هذه العشر حج بيت الله الحرام، فمن وفقه الله تعالى لحج بيته وقام بأداء نسكه على الوجه المطلوب فله نصيب – إن شاء الله – من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة .
8- الأضحية
ومن الأعمال الصالحة في هذا العشر التقرب إلى الله تعالى بذبح الاضاحي واستسمانها واستحسانها وبذل المال في سبيل الله تعالى.
فلنبادر باغتنام تلك الأيام الفاضلة، قبل أن يندم المفرّط على ما فعل، وقبل أن يسأل الرّجعة فلا يُجاب إلى ما سأل.
من ادعية العشر من ذي الحجة :
وهو:اللَّهمَّ إنِّي أسأَلُكَ مِن الخيرِ كلِّه عاجلِه وآجلِه ما علِمْتُ منه وما لَمْ أعلَمْ وأعوذُ بكَ مِن الشَّرِّ كلِّه عاجلِه وآجلِه ما علِمْتُ منه وما لَمْ أعلَمْ، اللَّهمَّ إنِّي أسأَلُكَ مِن الخيرِ ما سأَلكَ عبدُك ونَبيُّكَ وأعوذُ بكَ مِن الشَّرِّ ما عاذ به عبدُك ونَبيُّكَ وأسأَلُكَ الجنَّةَ وما قرَّب إليها مِن قولٍ وعمَلٍ وأعوذُ بكَ مِن النَّارِ وما قرَّب إليها مِن قولٍ وعمَلٍ وأسأَلُكَ أنْ تجعَلَ كلَّ قضاءٍ قضَيْتَه لي خيرًا.
ومن الأدعية التي يمكن ترديدها خلال العشر الأوائل من شهر ذو الحجة : اللَّهمَّ مالِكَ الملْكِ تُؤتي الملكَ من تشاءُ وتنزِعُ الملكَ ممَّن تشاءُ وتُعِزُّ من تشاءُ وتُذِلُّ من تشاءُ بيدِك الخيرُ إنَّك على كلِّ شيءٍ قديرٌ رحمنَ الدُّنيا والآخرةِ ورحيمَهما تعطيهما من تشاءُ وتمنعُ منهما من تشاءُ ارحَمْني رحمةً تُغنيني بها عن رحمةِ من سواك.
كما أنه من دعاء العشر الأوائل من ذي الحجة قول: اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي إنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ